حكم الظهار
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلا ظاهر من امرأته، ثم وقع عليها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني وقعت عليها قبل أن أكفِّر، قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به رواه الأربعة، وصححه الترمذي، ورجح النسائي إرساله، ورواه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وزاد فيه: كفِّر ولا تعد.
--------------------------------------------------------------------------------
نعم، حديث ابن عباس في الظهار، والظهار محرم كما قال سبحانه: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا جعله منكرا من القول وزورا ولا يجوز، فلهذا لا يجوز الظهار، والظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، هذا هو الذي وقع عليه الاتفاق، إذا قال: أنت علي كظهر أمي، فهذا يكون مظاهرا، وله أحكام كثيرة كما سيأتي، أنه وقع في قصة أوس بن الصامت، وفي قصة سلمة بن صخر، حديث ابن عباس هذا في هذا الباب، وقد روي متصلا وروي مرسلا، والمتصل جيد، والذي زاده ووصله ثقة، والمصنف -رحمه الله- ذكر له شاهدا وهو أنه روي من وجه آخر عند البزار، لكنه من طريق ثابت بن أبي صفية أبي حمزة الثمالي وهو ضعيف رافضي.
ثم ينظر أيضا في رواية البزار هذه هل هي تشهد للرواية هذه في خصوص الحكم: ولا تقربها، أو أنها من جهة العموم؟ لكن حديث ابن عباس في الجملة جيد، لأنه قال: وقعت عليها قبل أن أكفر، مع أنه لا يجوز أن يواقعها قبل أن يكفر، فلهذا قال: لا تفعل، أو لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به، وفي لفظ أنه قال: إنه ظاهر من امرأته، وأنه رأى خلخالها في ضوء الفجر وأنه وقع عليها، وفي لفظ قال: ما يحملك على هذا يرحمك الله؟ قال: إني رأيت خلخالها في ضوء الفجر فوقعت عليها فقال: لا تفعل أو لا تقرب حتى تفعل ما أمرك الله به من كفارة الظهار وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
هذه كفارة الظهار مرتبة ثلاثا، مثلثة مركبة من هذه الأشياء الثلاثة على جهة الترتيب، كما هو ظاهر القرآن وكما هو أيضا ظاهر السنة، حينما أمره -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي في حديث سلمة بن صخر، ثم قوله: لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به هل هو شامل لأنواع الكفارة كلها أو هو خاص بعتق الرقبة والصوم؟ ذهب جمع من أهل العلم أنه إذا كان لا يجد الرقبة أو لا يجد ثمنها ولا يستطيع الصوم فله أن يواقعها ولو لم يطعم إذا كان الواجب عليه الإطعام، لأنه لم يقيد في الآية قبل المسيس، إنما قيد قبل المسيس في عتق الرقبة وفي صوم شهرين متتابعين: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا من قبل أن يتماسا في صوم الشهرين ومن قبل أن يتماسا في عتق الرقبة.
ولما ذكر -سبحانه وتعالى- الإطعام لم يذكر المماسة ولم يقل: قبل أن يتماسا، فأطلق، فقالوا: إن هذا يدل على أنه لا بأس به إذا وقع المسيس قبل الإطعام، لأن الله قال: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فأطلق وهذا قول كثير من أهل العلم، وقيل: إنه لا بد أن يكون ذلك قبل المسيس في الثلاثة كلها، كما هو في عتق الرقبة، وكما هو في صوم الشهرين، واستدلوا بهذا الحديث، حديث ابن عباس: "لا تقربها" وهذا هو الأظهر أنه لا يجوز له أن يمسها حتى يطعم لظاهر القرآن، وأنه مبين، وكأنه -والله أعلم- أنه اكتفى بذكر عدم المسيس في الأولى وفي الثانية.
وربما تقتضي بلاغة القرآن ألا يتكرر مثل هذا، ألا يتكرر ذكر عدم المسيس، حينما ذكره في المرة الأولى وذكره في المرة الثانية اقتضت بلاغة القرآن ألا يذكر المرة الثالثة وأنه يفهم من دلالتها، وأيضا من جهة المعنى إذا كان نهي عن المسيس قبل عتق الرقبة حتى يعتق، ونهي أن يمسها حتى يعتق، ثم نهي أن يمسها إذا لم يعتق حتى يصوم، مع أن العتق والصوم أشد وأبلغ من الإطعام، فكونه في الأيسر وهو الإطعام الذي يتيسر، أو أن مدته أقل، يعني: الإطعام ممكن أن يطعم في مدة يسيرة، أما العتق في الغالب ممكن أنه لا يجدها، ولو وجدها قد لا يجد، يعني: من جهة ثمنها، وربما كان له حاجة فيها فإذا تعلقت حاجته بها فإنه لا يلزمه ذلك، فإذا كان هذا في الأشد في باب الكفارة فإنه في الأيسر من باب أولى أنه لا يفعل حتى يكفر.
وهذا هو الأظهر، وهو ظاهر حديث ابن عباس قوله: "لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" ثم أيضا ظاهر قوله: "حتى تفعل ما أمرك الله به" أنه جميع أنواع القربان، وأنه بأي قرب لها منهي عنه، سواء كان بالاستمتاع أو بالجماع، وهذا واضح، أو بالاستمتاع، بأنواع الاستمتاع من قبلة ونحوها، وذهب آخرون إلى أن النهي خاص بالجماع، لأن الله يكني، وإن الذي نهى عنه هو المسيس والمراد به هو الجماع